فصل: (فَرْعٌ): (الْإِجْزَاءُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [الْإِجْزَاءُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ]:

(قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ) فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (عَيْبٌ حَدَثَ بِمُعَالَجَةِ ذَبْحٍ) كَانَ أَصَابَتْ الشَّفْرَةُ عَيْنَ الْمَذْبُوحِ فَقَلَعَتْهَا، أَوْ تَعَاصَى فَأَلْقَاهُ الذَّابِحُ بِعُنْفٍ، فَكَسَرَ رِجْلَهُ أَوْ غِلَافَ قَرْنِهِ وَنَحْوَهُ.

.(فَصْلٌ): [صفةُ النَّحرِ]:

(وَسُنَّ نَحْرُ إبِلٍ قَائِمَةٍ مَعْقُولَةٍ يَدُهَا الْيُسْرَى بِأَنْ يَطْعَنَهَا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا بِنَحْوِ حَرْبَةٍ (فِي الْوَهْدَةِ) وَهِيَ (بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ) لِحَدِيثِ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ أَنَاخَ بَدَنَةً لِيَنْحَرَهَا، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قَائِمَةً مُقَيَّدَةً سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا وَيُؤَيِّدُهُ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أَيْ: سَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ، لَكِنْ إنْ خَشِيَ أَنْ تَنْفِرَ أَنَاخَهَا».
(وَ) سُنَّ (ذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ مُوَجَّهَةً لِلْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وَلِحَدِيثِ: «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» وَيَجُوزُ نَحْرُ مَا يُذْبَحُ، وَذَبْحُ مَا يُنْحَرُ وَيَحِلُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مَحِلَّ الذَّبْحِ، وَلِعُمُومِ حَدِيثِ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» (وَيَقُولُ) عِنْدَ تَوْجِيهِ الذَّبِيحَةِ إلَى الْقِبْلَةِ: ( {وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ} الْآيَةَ) أَيْ: اُذْكُرْ تَمَامَ الْآيَةِ، وَهُوَ: {السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} إلَى آخِرِ (الْآيَةِ) وَهُوَ {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. وَقَوْلُهُ: مِنْ بَدَلُ أَوَّلُ لِمُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى. (وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ) أَيْ: نَحْوِ الذَّابِحِ: (اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) لِحَدِيثِ: «تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى» رَوَاه مُسْلِمٌ. كَقَوْلِ وَكِيلِ ذَلِكَ، أَوْ يَقُولُ ذَابِحٌ بِيَدِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ شَاهِدٌ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك (وَيُسَمِّي ذَابِحٌ حِينَ يُحَرِّكُ يَدَهُ وُجُوبًا) وَتَسْقُطُ التَّسْمِيَةُ سَهْوًا، وَيُكَبِّرُ نَدْبًا (وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ يَوْمَ الْعِيدِ كَبْشَيْنِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: «وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّسْمِيَةِ فَقَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ، وَيَذْبَحُ أَوْ يَنْحَرُ وَاجِبًا مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ قَبْلَ ذَبْحِ أَوْ نَحْرِ نَفْلٍ مِنْهُمَا مُسَارَعَةً لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَسُنَّ إسْلَامُ ذَابِحٍ، لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلِيَهَا غَيْرُ أَهْلِهَا، وَإِلَّا بِأَنْ اسْتَنَابَ ذَابِحًا كِتَابِيًّا، كُرِهَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «وَلَا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إلَّا طَاهِرٌ» (وَتُوَلِّيهِ) أَيْ: الْمُهْدِي أَوْ الْمُضَحِّي الذَّبْحَ (بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ) نَصًّا لِلْأَخْبَارِ (كَحُضُورِهِ) إنْ وَكَّلَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّوِيلِ: «وَاحْضُرُوهَا إذَا ذَبَحْتُمْ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكُمْ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا» (وَتُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ) أَيْ: الْمُوَكِّلِ حَالَ تَوْكِيلٍ فِي الذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: أَنَّهَا (لَا) تُعْتَبَرُ (نِيَّةُ وَكِيلٍ) فِي ذَبْحِ أَوْ نَحْرِ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرَاقَةِ، لِأَنَّ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ غَالِبًا يُخْرِجُهُمَا الْمُوَكِّلُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لِلَّهِ طَلَبًا لِلثَّوَابِ، فَلَا يَفْتَقِرُ فِعْلُ الْوَكِيلِ، إلَى نِيَّةٍ حِينَهُ، بِخِلَافِ وَكِيلٍ فِي دَفْعِ زَكَاةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ حَالَ دَفْعِهَا مَعَ طُولِ الزَّمَنِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ وَكِيلٍ وَلَا مُوَكِّلٍ وَقْتَ الْإِرَاقَةِ مَعَ تَعْيِينِ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ (مُطْلَقًا) طَالَ الزَّمَنُ أَوْ قَصُرَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تُعْتَبَرُ (تَسْمِيَةُ مُضْحًى عَنْهُ) وَلَا مُهْدًى عَنْهُ اكْتِفَاءً بِالنِّيَّةِ. (وَوَقْتُ ذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيِ نَذْرٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَ) هَدْيِ (مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ مِنْ بَعْدِ أَسْبَقِ صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْبَلَدِ) الَّذِي تُصَلَّى بِهِ، وَلَوْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ (أَوْ مِنْ) بَعْدِ (قَدْرِهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ) يَعْنِي: لِمَنْ بِمَحِلٍّ لَا تُصَلَّى فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ): كَكَوْنِهِ بِبَلَدٍ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، فَوَقْتُ ذَبْحِهِ مُضِيُّ قَدْرِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَلَدٍ تُقَامُ فِيهِ فَوْقَ فَرْسَخٍ، وَكَأَهْلِ الْبَوَادِي مِنْ أَصْحَابِ الطنبو الخركاوات وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ فِي حَقِّهِمْ تُعْتَبَرُ، فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِقَدْرِهَا، أَمَّا مَنْ كَانَ بِمِصْرٍ أَوْ بَلَدٍ تُصَلَّى فِيهِ الْعِيدُ فَلَيْسَ لَهُ الذَّبْحُ قَبْلَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ فَاتَتْ صَلَاةٌ بِزَوَالٍ ذَبَحَ بَعْدَهُ، لِحَدِيثِ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى» وَحَدِيثِ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (إلَى آخِرِ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) قَالَ أَحْمَدُ: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: عُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ، وَالتَّضْحِيَةُ (فِي أَوَّلِهَا) أَيْ: أَيَّامِ الذَّبْحِ، وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ أَفْضَلُ، وَأَفْضَلُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، وَذَبْحُ الْإِمَامِ إنْ كَانَ (فَمَا يَلِيهِ) أَيْ: يَوْمَ الْعِيدِ، أَفْضَلُ مُسَارَعَةً لِلْخَيْرِ. (وَتُكْرَهُ) التَّضْحِيَةُ (لَيْلًا) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَتُجْزِئُ) لِأَنَّ اللَّيْلَ زَمَنٌ يَصِحُّ فِيهِ الرَّمْيُ فِي الْجُمْلَةِ كَالسُّقَاةِ وَالرُّعَاةِ، وَدَاخِلٌ فِي مُدَّةِ الذَّبْحِ، فَجَازَ فِيهِ كَالْأَيَّامِ (فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ) لِلذَّبْحِ (قَضَى الْوَاجِبَ) وَفَعَلَ بِهِ (كَأَدَاءِ) مَذْبُوحٍ فِي وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ الذَّبْحُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا فِي وَقْتِهَا، وَلَمْ يُفَرِّقْهَا حَتَّى خَرَجَ (وَسَقَطَ التَّطَوُّعُ) بِخُرُوجِ وَقْتِهِ، لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا (فَلَوْ ذَبَحَهُ) أَيْ: التَّطَوُّعَ (بَعْدُ) وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَلَحْمٌ لَا أُضْحِيَّةٌ يَصْنَعُ بِهِ (مَا شَاءَ كَذَبْحٍ قَبْلَ وَقْتِهِ) فَلَمْ يُجْزِئْهُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَوَقْتُ ذَبْحِ هَدْيٍ وَاجِبٍ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ (مِنْ حِينِهِ) أَيْ: فِعْلُ الْمَحْظُورِ كَالْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ. وَإِذَا أَرَادَ فِعْلَ الْمَحْظُورِ لِعُذْرٍ يُبِيحُهُ، فَلَهُ ذَبْحُ مَا يَجِبُ بِهِ قَبْلَ فِعْلِهِ، لِوُجُودِ سَبَبِهِ، كَإِخْرَاجِ كَفَّارَةٍ عَنْ يَمِينٍ بَعْدَ حَلِفٍ (كَدَمٍ وَاجِبٍ لِتَرْكِ وَاجِبٍ) يَدْخُلُ وَقْتُهُ مِنْ تَرْكِهِ. (تَنْبِيهٌ: شُرُوطُ أُضْحِيَّةٍ) أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: (نَعَمٌ أَهْلِيَّةٌ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ.
(وَ) الثَّانِي: (سَلَامَتُهَا) مِنْ عُيُوبٍ مُضِرَّةٍ.
(وَ) الثَّالِثُ: (دُخُولُ وَقْتِ) ذَبْحٍ.
(وَ) الرَّابِعُ: (صِحَّةُ ذَكَاةٍ) بِأَنْ يَذْبَحَهَا مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا.

.(فَصْلٌ): [في التَّضْحِيَةِ]:

(التَّضْحِيَةُ): بِفَتْحِ التَّاءِ: ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ أَيَّامَ النَّحْرِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَنْ مُسْلِمٍ تَامِّ الْمِلْكِ) وَهُوَ الْحُرُّ وَالْمُبَعَّضُ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ (أَوْ مُكَاتَبٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ، وَالنَّحْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَ الْعَشْرُ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا» رَوَاه مُسْلِمٌ. فَعَلَّقَهُ عَلَى الْإِرَادَةِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا، وَكَالْعَقِيقَةِ، وَمَا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِلْوُجُوبِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً» فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، كَحَدِيثِ: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَحَدِيثِ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (الْأُضْحِيَّةُ مِنْ النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَتُضَحِّي الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ بِلَا إذْنِهِ) عِنْدَ غَيْبَتِهِ أَوْ امْتِنَاعِهِ كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَيْضًا: (وَ) يُضَحِّي (مَدِينٌ لَمْ يُطَالِبْهُ رَبُّ الدَّيْنِ. انْتَهَى). وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَقْتَصِرُ) مَدِينٌ ضَحَّى (عَلَى أَدْوَنَ) و(مُجْزِئٍ) فَلَا يَتَغَالَى فِي ثَمَنِهَا لِئَلَّا يَضُرَّ بِغَرِيمِهِ، لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا وَلِيُّ يَتِيمٍ) ضَحَّى (عَنْهُ) فَيَقْتَصِرُ عَلَى أَدْوَنَ مُجْزِئٍ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ (وَكُرِهَ تَرْكُهَا) أَيْ: التَّضْحِيَةِ (لِقَادِرٍ) عَلَيْهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» (وَ) التَّضْحِيَةُ (عَنْ مَيِّتٍ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ حَيٍّ) لِعَجْزِهِ وَاحْتِيَاجِهِ لِلثَّوَابِ (وَيُعْمَلُ بِهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ عَنْ مَيِّتٍ (كـَ) أُضْحِيَّةٍ (عَنْ حَيٍّ) مِنْ أَكْلٍ وَصَدَقَةٍ وَهَدِيَّةٍ (وَتَجِبُ) التَّضْحِيَةُ (بِنَذْرٍ)، لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَكَانَتْ) التَّضْحِيَةُ (وَاجِبَةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَالْوِتْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ لِلْخَبَرِ (وَذَبْحُهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ (وَ) ذَبْحُ (عَقِيقَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةٍ بِثَمَنِهَا) نَصًّا، وَكَذَا هَدْيٌ، لِحَدِيثِ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي فُرُشِهِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ «وَقَدْ ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْدَى الْهَدَايَا، وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ»، وَلَوْ أَنَّ الصَّدَقَةَ بِالثَّمَنِ أَفْضَلُ لَمْ يَعْدِلُوا عَنْهُ. (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ ذَبْحِهَا) أَوْ قَبْلَهُ (قَامَ وَارِثُهُ مُقَامَهُ) فِي الْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ وَالصَّدَقَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ. (وَسُنَّ أَكْلُهُ وَهَدِيَّتُهُ وَصَدَقَتُهُ) مِنْهَا (أَثْلَاثًا) أَيْ: يَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُهْدِي الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ (مِنْ أُضْحِيَّةٍ، وَلَوْ) كَانَتْ (وَاجِبَةً، وَهَدْيَ تَطَوُّعٍ. وَ) يَجُوزُ أَنْ (يُهْدِيَ لِكَافِرٍ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ) قَالَ أَحْمَدُ: نَحْنُ نَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: «يَأْكُلُ هُوَ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ مَنْ أَرَادَ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ عَلَى الْمَسَاكِينِ» قَالَ عَلْقَمَةُ: بَعَثَ مَعِي عَبْدُ اللَّهِ بِهَدِيَّةٍ فَأَمَرَنِي أَنْ آكُلَ ثُلُثًا وَأَنْ أُرْسِلَ إلَى أَهْلِ أَخِيهِ بِالثُّلُثِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيك، أَيْ: يَتَعَرَّضُ لَك لِتُطْعِمَهُ وَلَا يَسْأَلُ، فَذَكَرَ ثَلَاثَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَلَا يَجِبُ الْأَكْلُ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا»، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْهَدِيَّةُ مِنْ وَاجِبَةٍ لِكَافِرٍ، كَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ (لَا مِنْ مَالِ يَتِيمٍ وَمُكَاتَبٍ فِي إهْدَاءٍ وَصَدَقَةٍ) أَيْ: إذَا ضَحَّى وَلِيُّ الْيَتِيمِ عَنْهُ لَا يُهْدِي مِنْهَا، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ مِنْ مَالِهِ (وَيُوَفِّرُهَا لَهُ) وَكَذَا مُكَاتَبٌ ضَحَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِمَا ذُكِرَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي التَّضْحِيَةِ إذْنُهُ فِي التَّبَرُّعِ، (وَيَلْزَمُ غَيْرَهُمَا) أَيْ: الْيَتِيمِ وَالْمُكَاتَبِ (تَصَدُّقٌ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ لَحْمٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَهُوَ الْأُوقِيَّةُ (لِوُجُوبِ صَدَقَةٍ بِبَعْضِهَا) فَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا ضَمِنَ قَدْرَ أُوقِيَّةٍ، لِأَنَّ مَا أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهُ لَا تَلْزَمُهُ غَرَامَتُهُ، وَيَلْزَمُ غُرْمُ مَا وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ بِهِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ مَعَ بَقَائِهِ، فَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُهُ إذَا أَتْلَفَهُ كَالْوَدِيعَةِ (وَيُعْتَبَرُ تَمْلِيكُ فَقِيرٍ لَحْمًا نِيئًا فَلَا يَكْفِي إطْعَامُهُ) كَالْوَاجِبِ فِي كَفَّارَةٍ. (وَنُسِخَ تَحْرِيمُ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ) فَيَدَّخِرُ مَا شَاءَ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ» وَحَدِيثِ عَائِشَةَ: «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِلدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا» وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ، لِأَنَّهُمَا لَمْ تَبْلُغْهُمَا الرُّخْصَةُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إلَّا زَمَنَ مَجَاعَةٍ، لِأَنَّهُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الِادِّخَارِ. وَالدَّافَّةُ: قَوْمٌ مِنْ الْأَعْرَابِ يَرِدُونَ الْمِصْرَ لِيَتَوَسَّعُوا بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ. (وَكَانَ مِنْ شِعَارِ الصَّالِحِينَ تَنَاوُلُ لُقْمَةٍ مِنْ نَحْوِ كَبِدِهَا)، أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ (تَبَرُّكًا) وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْأَكْلَ (وَلَهُ إعْطَاءُ الْجَازِرِ مِنْهَا هَدِيَّةً وَصَدَقَةً) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أُقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ: «لَا تُعْطِ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا مِنْهَا» قَالَ أَحْمَدُ: إسْنَادٌ جَيِّدٌ. وَلِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ بَلْ أُولَى، لِأَنَّهُ بَاشَرَهَا، وَتَاقَتْ إلَيْهَا نَفْسُهُ، وَ(لَا) يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ مِنْهَا (بِأُجْرَتِهِ) لِلْخَبَرِ (وَيَتَصَدَّقُ نَدْبًا أَوْ يَنْتَفِعُ بِجِلْدِهَا وَجَلِّهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا أَوْ تَبَعٌ لَهَا، فَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَاللَّحْمِ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَمِثْلِهِ) فِي الْحُكْمِ (هَدْيٌ، وَلَوْ) كَانَ (وَاجِبًا) حَيْثُ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ دَمَ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ، فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهُ صَدَقَةً، وَيَنْتَفِعَ بِجِلْدِهِ وَجَلِّهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ: الذَّبِيحَةِ هَدْيًا كَانَتْ أَوْ أُضْحِيَّةً (وَلَوْ) كَانَتْ (تَطَوُّعًا) لِتَعَيُّنِهَا بِالذَّبْحِ، وَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ السَّابِقِ (وَمِنْ جِلْدٍ وَجَلٍّ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ: «وَلَا تَبِيعُوا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ وَالْهَدْيِ، وَتَصَدَّقُوا وَاسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِهَا» قَالَ أَحْمَدُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، كَيْف نَبِيعُهَا، وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أُضْحِيَّةً؟ (وَلَا يَأْكُلُ مِنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ، وَلَوْ) كَانَ إيجَابُهُ (بِنَذْرٍ أَوْ تَعْيِينٍ غَيْرِ دَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا غَيْرُ مَحْظُورٍ، فَأَشْبَهَا هَدْيَ التَّطَوُّعِ «وَلِأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَتَّعْنَ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَدْخَلَتْ عَائِشَةُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَصَارَتْ قَارِنَةً، ثُمَّ ذَبَحَ عَنْهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقَرَ فَأَكَلْنَ مِنْ لُحُومِهَا» قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ أَكَلَ مِنْ الْبَقَرِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ خَاصَّةً (فَإِنْ أَكَلَ هُوَ) أَيْ: الْمُهْدِي مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ (أَوْ) أَطْعَمَ (خَاصَّتَهُ) الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ (وَلَوْ) كَانُوا (فُقَرَاءَ حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَطْعَمَهُ غَنِيًّا (وَضُمِنَ) مَأْكُولٌ (بِمِثْلِهِ لَحْمًا) لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ (وَمَا مَلَكَ أَكْلَهُ) كَأَكْثَرِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ (فَلَهُ هَدِيَّتُهُ) لِغَيْرِهِ، لِقِيَامِ الْمُهْدِي لَهُ مُقَامَهُ (وَإِلَّا) يَمْلِكْ أَكْلَهُ كَهَدْيٍ وَاجِبٍ غَيْرِ دَمِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ (ضَمِنَ) أَيْ: مُهْدِيهِ (بِمِثْلِهِ) لَحْمًا، لِأَنَّ الْجَمْعَ مَصْحُوبٌ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ، وَكَذَا إنْ أَعْطَى الْجَزَّارَ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا (كَبَيْعِهِ وَإِتْلَافِهِ) أَيْ: كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ الْهَدْيِ أَوْ أَتْلَفَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا، وَإِنْ أَطْعَمَ مِنْهُ غَنِيًّا عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ جَازَ، كَالْأُضْحِيَّةِ (وَيَضْمَنُهُ) أَيْ: الْمُتْلِفُ مِنْ الْهَدْيِ (أَجْنَبِيٌّ بِقِيمَتِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لِأَنَّ اللَّحْمَ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ لَحْمًا لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ. انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ لَا صِنَاعَةَ فِيهِ يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ فَهُوَ مِثْلِيٌّ (وَإِنْ مَنَعَ الْفُقَرَاءَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ أَخْذِهِ (حَتَّى أَنْتَنَ ضَمِنَ نَقْصَهُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ، وَإِلَّا) يَنْتَفِعْ بِهِ (فـَ) يَضْمَنْ (قِيمَتَهُ) قَالَهُ فِي الْفُصُولِ. (وَيَتَّجِهُ: يَشْتَرِي بِهَا) أَيْ: بِقِيمَتِهِ لَحْمًا (مِثْلَهُ) لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ فَرَّقَ وَاجِبًا) مِنْ هَدْيِ نَذْرٍ (وَلَوْ أُضْحِيَّةً بِلَا إذْنٍ) مِنْ مَالِكِهَا (لَمْ يَضْمَنْ) شَيْئًا (وَأَجْزَأَ) لِوُقُوعِ ذَلِكَ مَوْقِعَهُ (وَيُبَاحُ لِفُقَرَاءَ أَخْذٌ مِنْهُ) أَيْ: الْهَدْيِ، إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِمْ مَالِكُهُ (بِإِذْنٍ) مِنْهُ (كَقَوْلِهِ) أَيْ: الْمَالِكِ: (مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ، أَوْ بِتَخْلِيَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ وَقَالَ لِسَائِقِ الْبُدْنِ: اُصْبُغْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، وَاضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اكْتِفَاءِ الْفُقَرَاءِ بِذَلِكَ بِغَيْرِ لَفْظٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا (وَإِنْ سُرِقَ بِلَا تَفْرِيطٍ مَذْبُوحٌ لَا حَيٌّ مِنْ أُضْحِيَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ (أَوْ هَدْيٍ مُعَيَّنٍ ابْتِدَاءً، أَوْ عَنْ وَاجِبٍ بِذِمَّةٍ وَلَوْ) كَانَ وَاجِبًا (بِنَذْرٍ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ، فَلَا يَضْمَنُهُ بِتَلَفِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَمِثْلُهُ) أَيْ: الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ (مَسْرُوقٌ مِنْ نَحْوِ) دَمِ (مُتْعَةٍ) كَقِرَانٍ (وَمَا) أَيْ: دَمٍ (وَجَبَ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ) أَيْ: فَلَا شَيْءَ فِيهِ مَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي حِفْظِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) مَا ذَبَحَهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ (قَبْلَ ذَبْحٍ فَسُرِقَ، ضَمِنَ) مَا فِي ذِمَّتِهِ لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ عَنْ مَا لَهُ فَضَمِنَهُ، كَبَقِيَّةِ مَالِهِ. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ سُرِقَ (أَوْ لَمْ يُسْرَقْ) وَمِثْلُهُ لَوْ تَلِفَ أَوْ ضَاعَ أَوْ غُصِبَ بَعْدَ ذَبْحِهِ، لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ ذَبَحَهَا) أَيْ: الْمُعَيَّنَةَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّتَهُ (ذَابِحٌ فِي وَقْتِهَا بِلَا إذْنٍ) مِنْ رَبِّهَا (فَإِنْ) كَانَ الذَّابِحُ (نَوَاهَا عَنْ نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ) لَمْ تُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرَّقَ لَحْمَهَا أَوْ لَا (أَوْ) نَوَاهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ وَ(فَرَّقَ لَحْمَهَا، لَمْ تُجْزِ) عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَضَمِنَ) ذَابِحٌ (مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ) أَيْ: قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَذْبُوحَةً، (إنْ لَمْ يُفَرِّقْ لَحْمَهَا، وَ) ضَمِنَ (قِيمَتَهَا) صَحِيحَةً (إنْ فَرَّقَهُ) أَيْ: اللَّحْمَ، لِأَنَّهُ غَاصِبٌ مُتْلِفٌ عُدْوَانًا (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) ذَابِحٌ أَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ لَحْمَهَا أَوْ عَلِمَهُ، وَنَوَى الْمُعَيَّنَةَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ عَنْ رَبِّهَا، أَوْ أَطْلَقَهُ (أَجْزَأَتْ) عَنْ مَالِكِهَا (لِعَدَمِ افْتِقَارِ نِيَّةِ ذَبْحٍ وَلَا ضَمَانَ) نَصًّا، لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا (فَلَوْ ضَحَّى اثْنَانِ) كُلٌّ مِنْهُمَا ضَحَّى (بِأُضْحِيَّةِ الْآخَرِ غَلَطًا، كَفَتْهُمَا) لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا بِذَبْحِهَا فِي وَقْتِهَا (وَلَا ضَمَانَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ اسْتِحْسَانًا، لِإِذْنِ الشَّرْعِ فِيهِ، وَلَوْ فَرَّقَا اللَّحْمَ (وَإِنْ بَقِيَ اللَّحْمُ) أَيْ: لَحْمُ مَا ذَبَحَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، (تَرَادَّاهُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُفَرِّقَ أُضْحِيَّتَهُ بِنَفْسِهِ فَكَانَ أُولَى بِهِ.

.(فَرْعٌ): [ما يحرم على المُضحِّي]:

(إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ) أَيْ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ (حَرُمَ فَقَطْ عَلَى مَنْ يُضَحِّي أَوْ يُضَحَّى عَنْهُ أَخَذَ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أَوْ بَشَرَتِهِ إلَى الذَّبْحِ) أَيْ: ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: وَلَا مِنْ بَشَرَتِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَهُوَ فِي الْهَدْيِ لَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ، وَمَا قَبْلَهُ خَاصٌّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَحْوِ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَالْجِمَاعِ، فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ حَلْقِ شَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ، اسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهُ، وَلَا فِدْيَةَ عَمْدًا فَعَلَهُ أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا.
فَائِدَةٌ:
الْحِكْمَةُ فِي مَنْعِ أَخْذِ مَنْ يُرِيدُ التَّضْحِيَةَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أَوْ بَشَرَتِهِ، لِتَشْمَلَ الْمَغْفِرَةُ وَالْعِتْقُ مِنْ النَّارِ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا، وَتَوْجِيهُهُ بِالتَّشْبِيهِ بِالْمُحْرِمِينَ فَاسِدٌ، لِعَدَمِ كَرَاهَةِ مَسِّهِ الطِّيبَ وَالْمَخِيطَ وَالنِّسَاءَ اتِّفَاقًا. قَالَهُ الْمُنَقِّحُ. (وَلَوْ) ضَحَّى (بِوَاحِدَةٍ لِمَنْ يُضَحِّي بِأَكْثَرَ) مِنْهَا فَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، لِعُمُومِ حَتَّى يُضَحِّيَ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: الْأَخْذُ مِنْ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ وَبَشَرَتِهِ مَمْنُوعٌ (فِي) حَقِّ (غَيْرِ مُتَمَتِّعٍ حَلَّ) إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَسُنَّ حَلْقُ) مُضَحٍّ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الصُّبْحِ، قَالَ أَحْمَدُ: عَلَى الذَّابِحِ مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ تَعْظِيمًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ.

.(فَصْلٌ): [بمَ يَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ]:

(الْهَدْيُ يَتَعَيَّنُ بـِ) قَوْلِهِ: (هَذَا هَدْيٌ) لِاقْتِضَائِهِ الْإِيجَابَ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ (أَوْ بِتَقْلِيدِهِ) النَّعْلَ وَالْعُرَى وَآذَانَ الْقُرَبِ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ هَدْيًا (أَوْ) بِـ (إشْعَارِهِ بِنِيَّتِهِ) أَيْ: الْهَدْيِ، لِقِيَامِ الْفِعْلِ الدَّالِ عَلَى الْمَقْصُودِ مَعَ النِّيَّةِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ، وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ (وَ) تَتَعَيَّنُ (أُضْحِيَّةٌ بـِ) قَوْلِهِ: (هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) أَيْ: وَيَتَعَيَّنُ هَدْيٌ وَأُضْحِيَّةٌ بِقَوْلِهِ: هَذَا، أَوْ: هَذِهِ (لِلَّهِ، أَوْ): هَذِهِ (صَدَقَةٌ، وَنَحْوُهُ مِنْ أَلْفَاظِ النَّذْرِ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُهُ (فِيهِمَا) أَيْ: الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يَتَعَيَّنُ هَدْيٌ بِقَوْلِهِ: هَذَا هَدْيٌ وَنَحْوُهُ (إنْ قَالَهُ نَحْوُ مُتَلَاعِبٍ) كَمَازِحٍ، إذْ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا. (وَيَدِينُ) مُدَّعٍ عَدَمَ التَّعْيِينِ بِقَوْلِ أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا تَعْيِينَ) لِهَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ (بِنِيَّةِ) ذَلِكَ حَالَ (شِرَاءٍ) لِأَنَّ التَّعْيِينَ إزَالَةُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَعْيِينَ (بِسَوْقٍ) مَعَ نِيَّةِ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ أَوْ إشْعَارٍ، لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ (كَإِخْرَاجِهِ مَالًا لِصَدَقَةٍ بِهِ) فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ لِلْخَبَرِ (وَمَا تَعَيَّنَ) مِنْ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ (جَازَ نَفْلٌ فِيهِ وَشِرَاءُ خَيْرٍ مِنْهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ نَفْعِ الْفُقَرَاءِ بِالزِّيَادَةِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا، وَالْإِبْدَالُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ. (وَيَصِيرُ) مَا اشْتَرَاهُ (مُعَيَّنًا بِمُجَرَّدِ شِرَائِهِ) اكْتِفَاءً بِالتَّعْيِينِ الْأَوَّلِ (وَ) جَازَ (إبْدَالُ لَحْمِ) مَا تَعَيَّنَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ (بِخَيْرٍ مِنْهُ) لِحَظِّ الْفُقَرَاءِ، وَ(لَا) يَجُوزُ إبْدَالُ مَا تَعَيَّنَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ أَوْ لَحْمِهِمَا (بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ) بِمَا (دُونَهُ) إذْ لَا حَظَّ فِي ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُهُ) أَيْ: مَا تَعَيَّنَ (فِي دَيْنٍ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتٍ) كَعِتْقِ مَعِيبٍ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ (وَذَبْحٌ) وُجُوبًا (بِوَقْتِ أُضْحِيَّةٍ) وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مُقَامَهُ فِي أَكْلٍ وَصَدَقَةٍ وَهَدِيَّةٍ (وَإِنْ عَيَّنَ فِيهِمَا) أَيْ: الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (مَعْلُومَ عَيْبِهِ، تَعَيَّنَ) كَمَا لَوْ نَذَرَهُ (وَكَانَ قُرْبَةً) يُثَابُ عَلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْهُ لَحْمًا (لَا أُضْحِيَّةً)- قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ حَدَثَ بِهَا، أَيْ: بِالْمُعَيَّنَةِ أُضْحِيَّةً، عَيْبٌ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ وَنَحْوِهِ، أَجْزَأَهُ، ذَبْحُهَا، وَكَانَتْ أُضْحِيَّةً- (مَا لَمْ يَزُلْ عَيْبُهُ) الْمَانِعُ مِنْ الْإِجْزَاءِ (قَبْلَ ذَبْحٍ) فَيُجْزِئُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا إنْ عَيَّنَ) هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً (نَحْوَ ضَبٍّ) كَضَبُعٍ (وَظِبَاءٍ) مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْ الْوُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ، وَحُكْمُهُ كَنَذْرٍ، فَلَوْ ذَبَحَهُ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ، وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ جَازَ، وَلَهُ ثَوَابُهُ لَحْمًا لَا أُضْحِيَّةً، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ بَدَلِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، لِفَسَادِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَمْلِكُ) مَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا يَجْهَلُهُ وَعَيَّنَهُ (رَدَّ مَا عَلِمَ عَيْبَهُ بَعْدَ تَعْيِينِهِ، أَوْ) أَيْ: وَيَمْلِكُ (أَخْذَ أَرْشِهِ، وَهُوَ) أَيْ: الْأَرْشُ (كَفَاضِلِ قِيمَةٍ فِيمَا يَأْتِي) قَرِيبًا (وَلَوْ بَانَتْ مَعِيبَةً) مُعَيَّنَةً (مُسْتَحَقَّةً، لَزِمَهُ بَدَلُهَا) نَصًّا (اعْتِبَارًا بِمَا فِي ظَنِّهِ).
(وَ) يُبَاحُ لِمُهْدٍ وَمُضَحٍّ أَنْ (يَرْكَبَ) هَدْيًا وَأُضْحِيَّةً مُعَيَّنَيْنِ (لِحَاجَةٍ فَقَطْ بِلَا ضَرَرٍ) لِحَدِيثِ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَلِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَسَاكِينِ بِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ، لِلْحَدِيثِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِهَا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ (وَيَضْمَنُ النَّقْصَ) بِرُكُوبِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهَا (وَحَرُمَ) رُكُوبُهَا (بِلَا حَاجَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَوَلَدُ مُعَيَّنَةٍ) ابْتِدَاءً، أَوْ عَمَّا فِي ذِمَّةٍ مِنْ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ (كَهِيَ، وَلَوْ) كَانَ (حَادِثًا) بِأَنْ حَدَثَ بَعْدَ تَعْيِينِهَا، (فَيُذْبَحُ مَعَهَا إنْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ) أَيْ: الْوَلَدِ، وَلَوْ عَلَى ظَهْرِهَا (أَوْ) أَمْكَنَ (سَوْقُهُ) إلَى الْمَنْحَرِ (وَإِلَّا) يُمْكِنْ حَمْلُهُ، وَلَا سَوْقُهُ (فـَ) هُوَ (كَهَدْيٍ عَطِبَ) فَيَذْبَحُهُ مَوْضِعَهُ، وَيَأْتِي. (وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُ) أَيْ: وَلَدِهَا، وَلَمْ يَضُرَّهَا، وَلَا يُنْقِصُ لَحْمَهَا، لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا يَضُرُّهَا، وَلَا وَلَدَهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَضَرَّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا (حَرُمَ، وَ) عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ بِهِ، فَإِنْ شَرِبَهُ (ضَمِنَهُ) لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذٍ.
(وَ) يُبَاحُ أَنْ (يَجُزَّ صُوفَهَا) أَيْ: الْمُعَيَّنَةَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً (وَنَحْوَهُ) كَوَبَرِهَا (لِمَصْلَحَةٍ) لِانْتِفَاعِهَا بِهِ (وَيَتَصَدَّقُ) بِهِ نَدْبًا (أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ كَجِلْدٍ) لِلِانْتِفَاعِ بِهِ دَوَامًا، فَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ أَنْفَعَ لَهَا لِيَقِيَهَا حَرًّا أَوْ بَرْدًا، حَرُمَ جَزُّهُ كَأَخْذِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا. (وَإِنْ أَتْلَفَهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ (أَجْنَبِيٌّ) غَيْرُ صَاحِبِهَا (أَوْ) أَتْلَفَهَا (صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا) مُتْلِفُهَا (بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلِفَ) كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ (تُصْرَفُ فِي مِثْلِهَا كَهَدْيٍ) مُعَيَّنٍ (أُتْلِفَ أَوْ عَابَ بِفِعْلِهِ) أَيْ: صَاحِبِهِ (أَوْ تَفْرِيطِهِ) وَلَوْ كَانَ مَا عَيَّنَهُ زَائِدًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ شَاةٌ، فَعَيَّنَ عَنْهَا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً فَتَلِفَتْ، أَوْ تَعَيَّبَتْ، يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ نَظِيرَ الَّتِي عَيَّنَهَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَفِي الْمُغْنِي لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَجَبَتْ بِتَعْيِينِهِ، وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَسَقَطَتْ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ هَدْيًا تَطَوُّعًا، ثُمَّ تَلِفَ (بِخِلَافِ قِنٍّ تَعَيَّنَ لِعِتْقٍ) بِأَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ (فَأَتْلَفَهُ) مَالِكُهُ أَوْ غَيْرُهُ (فَلَا) يَلْزَمُهُ صَرْفُ قِيمَتِهِ فِي مِثْلِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ حَقٌّ لِلرَّقِيقِ، وَقَدْ هَلَكَ. (وَإِنْ فَضَلَ) مِنْ قِيمَةِ الْمُعَيَّنِ (عَنْ شِرَاءِ الْمِثْلِ شَيْءٌ) لِنَحْوِ رُخْصٍ عَرَضَ (اشْتَرَى بِهِ) أَيْ: الْفَاضِلِ (شَاةً أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ، أَوْ) سُبْعَ (بَقَرَةٍ) إنْ بَلَغَ (فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ) ثَمَنَ شَاةٍ أَوْ سُبْعِ بَدَنَةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ (تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِلَحْمٍ يَشْتَرِي بِهِ) أَيْ: بِالْفَاضِلِ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ مَا شَرَاهُ يُجْزِئُ فِي أُضْحِيَّةٍ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّدَقَةِ بِهِ (كَأَرْشِ جِنَايَةٍ فِي نُقْصَانِهَا) أَيْ: الذَّبِيحَةِ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَوْ مَرِضَتْ) أُضْحِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ (فَخَافَ) صَاحِبُهَا (عَلَيْهَا) مَوْتًا (فَذَبَحَهَا، فَعَلَيْهِ بَدَلُهَا) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا (وَلَوْ تَرَكَهَا) بِلَا ذَبْحٍ (فَمَاتَتْ، فَلَا) شَيْءَ عَلَيْهِ نَصًّا، لِأَنَّهَا كَالْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ وَلَمْ يُفَرِّطْ (وَعَكْسُهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ، (هَدْيُ، فَلَوْ عَطِبَ) كَتَعِبَ (بِطَرِيقٍ هَدْيُ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِنِيَّةٍ دَامَتْ) أَيْ: اسْتَمَرَّتْ، أَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ صُحْبَةَ الرِّفَاقِ (ذَبَحَهُ مَوْضِعَهُ) وُجُوبًا، لِئَلَّا يَمُوتَ (فَلَوْ فَرَّطَ) بِأَنْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ (ضَمِنَهُ) بِقِيمَتِهِ يُوَصِّلُهَا (لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إيصَالُهَا إلَيْهِمْ، بِخِلَافِ مَا عَطِبَ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ يَشْتَرِي بِهَا بَدَلَهُ، وَإِنْ فَسَخَ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ قَبْلَ ذَبْحِهِ فَعَلَ بِهِ مَا شَاءَ (وَسُنَّ غَمْسُ نَعْلٌ) الْهَدْيِ الْعَاطِبِ الْمُقَلَّدِ بِهِ (بِعُنُقِهِ فِي دَمِهِ وَضَرْبُ صَفْحَتِهِ بِهَا) أَيْ: النَّعْلِ الْمَغْمُوسَةِ فِي دَمِهِ (لِيَأْخُذَهُ الْفُقَرَاءُ، وَحَرُمَ أَكْلُهُ وَ) أَكْلُ (خَاصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ: الْهَدْيِ الَّذِي عَطِبَ غَيْرَ دَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ (كَمَا مَرَّ) لِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: إنْ عَطِبَ شَيْءٌ مِنْهَا فَخَشِيتَ عَلَيْهِ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهُمَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِك» رَوَاه مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ: «وَتُخْلِيهَا وَالنَّاسَ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ» رَوَاه أَحْمَدُ. وَإِنَّمَا مُنِعَ السَّائِقُ وَرُفْقَتُهُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِي الْحِفْظِ، فَيُعْطِبَ لِيَأْكُلَ هُوَ وَرُفْقَتُهُ مِنْهُ، فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فِي عَطْبِهِ لِنَفْسِهِ وَرُفْقَتِهِ (وَيُجْزِئُ ذَبْحُ مَا) أَيْ: هَدْيٍ (تَعَيَّبَ لَا بِتَفْرِيطِهِ مِنْ وَاجِبٍ) بِالتَّعْيِينِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ جَرَّ بَقَرَةً بِقَرْنِهَا إلَى الْمَنْحَرِ فَانْقَلَعَ، (كَتَعْيِينِهِ مَعِيبًا، فَبَرِئَ) مِنْ عَيْبِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّي بِهِ، فَأَصَابَ الذِّئْبُ مِنْ أَلْيَتِهِ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنَا أَنْ نُضَحِّيَ بِهِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. (وَإِنْ عَيَّنَهُ) أَيْ: عَيَّنَ صَحِيحًا فَتَعَيَّبَ بِلَا فِعْلِهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ (عَنْ) دَمٍ (وَاجِبٍ سَلِيمٍ بِذِمَّتِهِ كَفِدْيَةٍ) وَهِيَ الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ مِنْ هَدْيِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ، وَمَا وَجَبَ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ (وَ) كَدَمٍ (مَنْذُورٍ) بِذِمَّتِهِ (تَعَيَّنَ) ذَلِكَ الْمُتَعَيَّبُ (وَلَمْ يُجْزِهِ) ذَبْحُهُ عَمَّا بِذِمَّتِهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِذِمَّتِهِ دَمٌ صَحِيحٌ، فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ دَمٌ مَعِيبٌ، وَيَعُودُ الْوُجُوبُ إلَى الذِّمَّةِ، كَمَا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ، فَاشْتَرَى بِهِ مَكِيلًا، ثُمَّ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَعَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمْ تَبْرَأْ مِنْ الْوَاجِبِ بِالتَّعْيِينِ عَنْهُ، كَالدَّيْنِ يَضْمَنُهُ ضَامِنٌ، أَوْ يَرْهَنُ بِهِ رَهْنًا، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالضَّامِنِ، وَالرَّهْنُ مَعَ بَقَائِهِ بِذِمَّةِ الْمَدِينِ فَمَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الضَّامِنِ، أَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ، بَقِيَ الْحَقُّ فِي الذِّمَّةِ بِحَالِهِ، وَيَحْصُلُ التَّعْيِينُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِالْقَوْلِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ بِذِمَّتِهِ دَمٌ وَاجِبٌ (نَظِيرُهُ) أَيْ: نَظِيرُ مَا تَعَيَّبَ (سَلِيمًا وَلَوْ زَادَ) الَّذِي عَيَّنَهُ (عَمَّا) أَيْ: عَنْ الَّذِي (بِذِمَّتِهِ كَبَدَنَةٍ عُيِّنَتْ) أَيْ: كَأَنْ عَيَّنَهَا (عَنْ شَاةٍ) فَتَعَيَّبَتْ الْبَدَنَةُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ نَظِيرُ الَّتِي تَعَيَّبَتْ، لِتَعَلُّقِ الْوَاجِبِ بِهَا، فَلَزِمَهُ مِثْلُهَا، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ (وَكَذَا لَوْ سُرِقَ) الْمُعَيَّنُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ (أَوْ ضَلَّ أَوْ غُصِبَ) فَيَلْزَمُهُ نَظِيرُهُ، وَلَوْ زَادَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا فَعَطِبَ أَوْ مَاتَ، فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ، وَإِنْ نَحَرَهُ جَازَ أَكْلُهُ مِنْهُ، وَيُطْعِمُ مَنْ شَاءَ، لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ) أَيْ: الْعَاطِبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ (لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَحْرِ بَدَلِهِ أَوْ تَعْيِينِهِ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَهْدَتْ هَدْيَيْنِ، فَأَضَلَّتْهُمَا، فَبَعَثَ إلَيْهَا ابْنَ الزُّبَيْرِ بِهَدْيَيْنِ، فَنَحَرَتْهُمَا، ثُمَّ عَادَ الضَّالَّانِ فَنَحَرَتْهُمَا، وَقَالَتْ: هَذِهِ سُنَّةُ الْهَدْيِ وَلِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِذَبْحِ غَيْرِهِ بَدَلَهُ.

.(فَصْلٌ): [بمَ يَجِبُ الْهَدْيُ]:

(يَجِبُ هَدْيٌ بِنَذْرٍ) لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ»، وَلِأَنَّهُ طَاعَةٌ، فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ النُّذُورِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا (وَمِنْهُ) أَيْ: النَّذْرِ (إنْ لَبِسْتُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ، فَلَبِسَهُ بَعْدَ مِلْكِهِ) فَيَصِيرُ هَدْيًا وَاجِبًا يَلْزَمُهُ إيصَالُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ. (وَسُنَّ سَوْقُ حَيَوَانٍ) أَهْدَاهُ (مِنْ الْحِلِّ) «لِسَوْقِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَجَّتِهِ الْبُدْنَ وَكَانَ يَبْعَثُ هَدْيَهُ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ».
(وَ) سُنَّ (أَنْ يَقِفَهُ) أَيْ: الْهَدْيَ (بِعَرَفَةَ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى هَدْيًا إلَّا مَا وَقَفَهُ بِعَرَفَةَ. وَلَنَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْهَدْيِ نَحْرُهُ، وَنَفْعُ الْمَسَاكِينِ بِلَحْمٍ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِهِ دَلِيلٌ.
(وَ) سُنَّ (إشْعَارُ بُدْنٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ، جَمْعُ: بَدَنَةٍ.
(وَ) إشْعَارُ (بَقَرٍ بِشَقِّ صَفْحَةٍ يُمْنَى مِنْ سَنَامٍ) بِفَتْحِ السِّينِ (أَوْ) شَقِّ (مَحِلِّهِ) أَيْ: السَّنَامِ، مِمَّا لَا سَنَامَ لَهُ مِنْ بَقَرٍ وَإِبِلٍ (حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ. وَ) سُنَّ (تَقْلِيدُهُمَا) أَيْ: الْبُدْنِ وَالْبَقَرِ (مَعَ) تَقْلِيدِ (غَنَمٍ النَّعْلَ وَآذَانَ قُرَبٍ وَعُرًى) بِضَمِّ الْعَيْنِ: جَمْعُ: عُرْوَةٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ إيلَامٌ لِفَرْضٍ صَحِيحٍ، فَجَازَ كَالْكَيِّ وَالْوَسْمِ وَالْحِجَامَةِ، وَفَائِدَتُهُ تَوَقِّي نَحْوِ لِصٍّ لَهَا، وَعَدَمُ اخْتِلَاطِهَا بِغَيْرِهَا. وَسُنَّ أَنْ يَكُونَ بِالْمِيقَاتِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا بِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَةٍ، فَأَشْعَرَهَا مِنْ صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ مِنْهَا بِيَدِهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَإِنْ بَعَثَ بِهَا فَمِنْ بَلَدِهِ وَأَمَّا الْغَنَمُ فَلَا تُشْعَرُ، لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا يَسْتُرُهُ، وَأَمَّا تَقْلِيدُهَا فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ الْغَنَمِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. (وَإِنْ نَذَرَ هَدْيًا وَأَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ (فَأَقَلُّ مُجْزِئٍ) عَنْ نَذْرِهِ (شَاةٌ) جَذَعُ ضَأْنٍ، أَوْ ثَنِيُّ مَعْزٍ (أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ) سُبْعُ (بَقَرَةٍ) لِحَمْلِ الْمُطْلَقِ فِي النَّذْرِ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ (وَإِنْ ذَبَحَ إحْدَاهُمَا) أَيْ: بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً (عَنْهُ) أَيْ: عَنْ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ (كَانَتْ) الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ (كُلُّهَا وَاجِبَةً) لِتَعَيُّنِهَا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِذَبْحِهَا عَنْهُ. (وَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ إنْ أَطْلَقَ) الْبَدَنَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ (وَإِلَّا) يُطْلِقْ الْبَدَنَةَ، بِأَنْ نَوَى مُعَيَّنَةً (لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ). كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ بِلَفْظِهِ (وَإِنْ نَذَرَ مُعَيَّنًا أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ، وَلَوْ) كَانَ (صَغِيرًا أَوْ مَعِيبًا أَوْ غَيْرَ حَيَوَانٍ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: النَّاذِرِ (إيصَالُهُ) إنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ، (وَ) إيصَالُ (ثَمَنِ غَيْرِ مَنْقُولٍ) كَعَقَارٍ (لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَلِأَنَّ النَّذْرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ، شَرْعًا. وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ امْرَأَةٍ نَذَرَتْ أَنْ تُهْدِيَ دَارًا قَالَ: تَبِيعُهَا وَتَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ. (وَيَتَّجِهُ: فِي هَدْيِ صَيْدٍ) أَتَى بِهِ مِنْ الْجَبَلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ (ذَبْحُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ) وَإِيصَالُ لَحْمِهِ إنْ أَمْكَنَ (أَوْ بَيْعُهُ) إنْ خَشِيَ فَسَادَهُ (وَنَقْلُ ثَمَنِهِ لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا إنْ نَذَرَ سَوْقَ أُضْحِيَّةٍ لِمَكَّةَ، أَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ بِهَا) فَيَلْزَمُهُ لِلْخَبَرِ (وَإِنْ عَيَّنَ) بِنَذْرِهِ (شَيْئًا لِمَوْضِعٍ غَيْرِ الْحَرَمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ) أَيْ: النَّذْرِ لِذَلِكَ الْمَكَانِ (تَعَيَّنَ ذَبْحًا وَتَفْرِيقًا لِفُقَرَائِهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (أَوْ إطْلَاقُهُ لَهُمْ) فِي مَوْضِعِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ): إطْلَاقُهُ لَهُمْ (لِيَنْحَرُوهُ) وَيَنْتَفِعُوا بِهِ، لَا لِيَبِيعُوهُ وَيَقْتَسِمُوا ثَمَنَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ: أَبِهَا صَنَمٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» وَلِأَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَكَانَ عَلَيْهِ إيصَالُهُ إلَيْهِمْ (فَإِنْ كَانَ بِهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (نَحْوُ صَنَمٍ) كَبُيُوتِ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ أَمْرِ كُفْرٍ (فـَ) هُوَ (نَذْرُ مَعْصِيَةٍ) يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ، لِحَدِيثِ «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ».
تَتِمَّةٌ:
لَوْ عَيَّنَ مَكَانًا لَيْسَ فِيهِ فُقَرَاءُ، لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَكَانُ، وَلَهُ الذَّبْحُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، كَالْمَنْذُورِ ذَبْحُهُ لَا بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ، فَلَهُ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ.